http://www.foreca.com/

02‏/03‏/2010

كتاب أعجبني (1)




مجموعة (رجُلٌ للبيع) للقاص: أحمد المؤذّن





" نعم.. هكذا يجب أن يكون القص!" .. هذا ما كنت أقوله لنفسي وأنا أستمتع مؤخّرًا بقراءة مجموعة (رجُلٌ للبيع)، للقاص البحريني أحمد المؤذّن. وحين تحتلّ روحك مجموعة منذ القصّة الأولى، وتضبطك مُتلبّسُا بحقيقتك وذاكرتك على أكثر من صفحة، لا يسعك إلا أن تُسجّل اعترافًا مكتوبًا بذلك، مُعلنًا عن دهشتك إزاء تلك المقدرة الفريدة على حشد أطراف الإحساس كلّه في ومضة، فتحدث الانقلابات في داخلك قبل أن تستفيق من لذّة الرّكض ببصرك على السّطور..



بين قصص مجموعة (رجلٌ للبيع) يشعر القارئ أنّه مُحاصر بشخصيّات يبدو في كلّ منها شيء من ذاته البشريّة، مُحاصر بلمحات من ذكريات طفولته، وأحلام شبابه، وصراعه الإنسانيّ مع ذاته والعالم من حوله في فترات مُختلفة من حياته. فنرى وجهًا آخر للوحدة في قصّة (حيث أعرّي نفسي)، ثُمّ يملأنا شعور التورّط المُباغت في قصّة (رطب)، وتغوص عواطفنا في دهشة تنضح بالتقزز بين سطور قصّة (رائحة غريبة). نواجه الوقوع في فخّ الشهيّ الممكن في (الكيس لا يزال في يدي)، ويصفع توقّعاتنا ما قد يلي الاحترام في قصّة (وَ.. أدخل الجنّة؟!)، يتقمّصنا فضول الطفولة مُجددًا في (خدّوج تأكل الأطفال)، الهرب إلى حيث لا ندري في (لُقيمات الوجع)، نمسّ بأحاسيسنا عذاب الوجع الذي لا ينفد في (فضول)، وجهٌ آخر للحزم في (محطّات تعبك يا...)، مصيدة مُخيّلة الطّفولة في (ورطة)، آخر ما يتبقّى للمراهنة عليه في (رجُلٌ للبيع)، الخسارة النّاضحة بالحنين في (اليوم ليس كالأمس)، مُفاجأة الموت في قصّة (رماد الحُزن كان)، الخُذلان في قصّة (انتظار) ، لحظة القرار الحاسم بعد موقف قاصم في (وحُزنها يتفاقم).



الأفكار الرّئيسيّة في القصص حميمة الالتصاق بمشاعر الإنسان وتناقُضات أحاسيسه، ترتدي أسلوبًا قصصيًا رشيقًا ولغة قادرة على استيعاب تلك الأحاسيس المُكثّفة وتقديمها في قالب شهي لا يعسر على ذهن القارئ هضمه. استوقفتني القصّة التي حملت المجموعة عُنوانها مُحرّضة ذهني على مزيد من التأمّل، فرغم أنّها تليق بكل زمانٍ ومكان، غير أنّها – من وجهة نظري- ولدت في عصر استحقّقها أكثر من غيره. ففي عصرنا الحاضر، عصر تحوّل الكائن البشريّ إلى رقم فائض عن حاجة الأرض ما لم يمتلك ضربة حظ تؤهله لأن يكون جزءًا من حضارة الهامبرجر الفقاعية، حيث أكثر الأشياء تبدو لامعة، برّاقة، شهيّة، غير أنّها خاوية، وهميّة، وبلا تقدير لقيمة الإنسان ، وحيث كلّ شيء قابل للبيع والتّسويق، لم يُدهشني إعلان بطل القصّة الذي كتب فيه: ( من يشتريني؟ نعم أنا للبيع – أمامكم إعلان للجميع- أفراد ومؤسسات وشركات وعلماء استنساخ ولصوص المافيا وكلّ راقصات ومُرتشي وأوغاد هذا العالم- أنا لكُم، أنا للبيع وهذه مواصفاتي: قامة طويلة وشعر أسود مثل حظّي وعيون حزينة لكنّها ستة على ستة حسب تقرير طبّي مُعتمد.

مُتزوّج لكن لا يهم، فرجلكم المعروض عقليّ رياضيّة فذّة ويجيد اللغة الإنجليزيّة قراءة وتحدّثًا وكتابة. لا يفوتنا التأكيد على مواصفات استثنائيّة... العمر ستة وعشرون عامًا و... كفاءة جنسيّة نادرة لرجل بدائي تستوعب مدينة من النّساء.



ملحوظة: يُقدّم هذا العرض بإرادة واعية وأنا بكامل قواي العقليّة... أنا لكُم، أيّ شيء وكلّ شيء ومستعدّون لإجراءات البيع المعفيّة من المُساءلة القانونيّة والبيع بالدّولار الأمريكيّ فقط.. بضاعتكم لا تُقدّر بثمن والعرض لفترة محدودة، سارعوا للحجز).. وإذا كُنت – يا عزيزي القارئ- عالمًا بشروط سوق العرض والطّلب للكائن البشريّ في عصرنا الحاضر، فستتساءل عمّا إذا كان بطل القصّة قد تلقّى ردًا على إعلانه في حياته الأخرى التي أكملها بعيدًا عن حدود علمك، في عصر يبخل فيه أفراد ومؤسسات وشركات وعلماء استنساخ ولصوص المافيا وكلّ راقصات ومرتشي وأوغاد هذا العالم يبخلون عن دفع بنسٍ واحدٍ لأجل عقليّة فذّة، في الوقت الذي يطلبون فيه مسخًا بعضلات متورّمة كدُمية منفوخة، وضحكة جليديّة مُبهمة، وهيئة برّاقة تسوّق نفسها بنفسها في كلّ لحظة، ولا يهمّ ما بداخل الجمجمة.. وتتساءل عن مصيره في عالم لم يكتف بتحويل الإنسان إلى سلعة، وإنّما أخضعتها لشروط التّصنيع وفق ذوق المحافظ السّمينة؟.



قبل أن تصل إلى آخر صفحات المجموعة ستتأكّد بنفسك أنّك أمام عمل إبداعيّ فريد من نوعه، وقلم فريد بموهبته، فلا يُدهشك بعد كلّ هذا أن تكتشف بأنّك أمام مجموعة نالت حق الفوز بالمركز الرّابع في الدّورة الرّابعة من جائزة الصّدى للمُبدعين. وتُسارع بالبحث عن مجموعتيه (أنثى لا تُحبّ المطر) و (من غابات الإسمنت) كي تُشبع نهمك للقصص بالاطّلاع على فلذات الأدب الرّاقية تلك، واثقًا من أنّك ستربح بكلّ نصّ من نصوصها يومًا جديدًا يُضاف إلى عُمر مُخيّلتك وفكرك.

نقله لكم من البريد عادل صيام

ليست هناك تعليقات: